كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد شاء اللّه أن أختم الكلام على هذه اللفظة من هذه الآية بذكر ما تبقى من أمّهات أسرار الدين، وأنبّه على أصل التكليف وسرّه وحكمته المعرّفة بمرتبته وثمرته وجلّ جدواه وفاء بما التزمته في أوّل الكتاب من التنبيه على أصول ما يقع الكلام عليه في هذا التفسير، ممّا تتضمّنه الفاتحة، فأقول:
أصل التكليف وحكمته:
كلّ نسبة تعقل بين أمرين، فإنّ تحقّقها وثبوتها يتوقّف على ذينك الأمرين لا محالة، والتكليف نسبة لا تتعقّل إلّا بين مكلّف قادر قاهر عليم، وبين مكلّف له صلاحيّة أن يكون محلّا لنفوذ اقتدار المكلّف، وقابلا حكم تكليفه.
ولمّا علمنا باللّه- أو قل- بما نوّر به سبحانه عقولنا وبصائرنا أنّ له تعالى الكمال المطلق الأتمّ، بل هو ينبوع كلّ كمال، ثم عرّفنا بواسطة نبيّه صلّى اللّه عليه وآله حين قال له في كتابه العزيز قُلْ كُلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ تحقّقنا بما نوّر أوّلا وبما أخبر ثانيا أنّ الأحكام والأفعال الصادرة منه سبحانه تصدر منصبغة بالوصف الكمالي، فليس منها حكم ولا فعل إلّا وهو كامل، مشتمل على فوائد وأسرار وحكم شتّى، لا يحيط بها علم أحد سواه، وإنّما غاية الخلق وقصاراهم أن يعرفوا اليسير منها بوهب منه سبحانه أيضا، لا بتسلّط كسبي، ولا على سبيل الإحاطة بذلك اليسير.
لكن مع هذا لا نشكّ أنّ أفعاله وإن كانت من حيث صدورها منه ونسبتها إليه- كما قلنا- خيرا محضا، وكمالا صرفا، فإنّها متفاوتة في نفسها بحسب مراتب الأسماء والصفات والمواطن والحضرات، فبعض تلك الأفعال يكون لما ذكرنا أعظم جدوى من البعض، وأجلّ قدرا، وأتمّ إحاطة، وأشمل حكما، وأكثر استيعابا للحكم والأسرار.
والحكم التكليفي من أجلّ الأفعال والأحكام وأتمّها حيطة، وأشملها حكما فإنّه عنوان العبوديّة المنسحبة الحكم على كلّ شيء بسوط {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْدًا} وقوله: {اللَّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} ولا شكّ أنّ كلّ مسبّح للّه مقرّ بعبوديّته له، بل نفس تسبيحه بحمده إقرار منه بالعبوديّة للّه تعالى إقرار علم، كما أخبر سبحانه بقوله: {كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}.
فكلّ ما يطلق عليه اسم شيء فهو داخل في حيطة هذا الحكم والإخبار الإلهي. وقد أسلفنا من قبل أنّ لكلّ حقيقة أو صفة تنضاف إلى الكون بطريق الخصوصيّة التي هي من خصائص الممكنات، أو بطريق الاشتراك، بمعنى أنّه تصحّ نسبتها إلى الحقّ من وجه وباعتبار، وإلى الكون أيضا كذلك فإنّ لها- أي لتلك الحقيقة- أصلا في الجناب الإلهي، إلى ذلك الأصل ترجع وإلى الحقّ من حيث ذلك الأصل تستند.
والتكليف من جملة الحقائق وأنّه ظهر بين أصلين، هما له كالمقدّمتين أو كالأبوين، كيف قلت، وهكذا كلّ أمر يظهر في مراتب التفصيل فإنّه لابد وأن يكون ظاهرا بين أصلين في إحدى حضرات النكاحات الخمسة المذكورة من قبل.
فالأصلان الأوّلان: حضرة الوجوب والإمكان أو قل: حضرة الأسماء والأعيان كيف شئت، والنكاحات قد مرّ حديثها.
وأنت متى رجعت إلى ما أسلفناه في بدء الإيجاد وسرّه وسرّ الوحدة، تذكّرت ما بيّنّا من أنّ الأحديّة لا تقتضي إظهار شيء ولا إيجاده، وأنّ الحقّ من حيث ذاته وأحديّته غنيّ عن العالمين، لا يناسب شيئا، ولا يرتبط به، ولا يناسبه أيضا شيء، ولا يتعلّق به، فإنّ التعلّق والمناسبة إنّما ثبتا من جهة المراتب بحكم التضايف الثابت بين الإله والمألوه، والخالق والمخلوق، وغير ذلك ممّا هو واقع بين كلّ متضايفين وكلّ مرتبتين هذا شأنهما، وقد مرّ أنّ الأثر لا يصحّ بدون الارتباط، والارتباط لا يكون إلّا للمناسبة، فتذكّر تفصيل ما ذكر في ذلك، ففيه غنية عن التكرار، واللّه المرشد.
ثم نرجع ونقول: فالأصل الواحد الذي يستند إليه التكليف هو الإيجاب الإلهي، المختصّ بذلك الجناب، وهو إيجاب ذاتي منه عليه قبل أن يظهر للغير عين، أو يبدو لمرتبته حكم.
ولسان مقام هذا الأصل هو الناطق في الكتاب العزيز بقوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} وبقوله: {وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ} وبقوله: {وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} و{كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} و{ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} ونحو ذلك.
في الأخبار النبويّة: «وجبت محبّتي للمتحابّين فيّ» الحديث: «وإنّ حقّا على اللّه أن لا يرفع شيئا من هذه الدنيا إلّا وضعه» ونحوه ممّا يطول ذكره.
والأصل الآخر- الذي منه نشأ التكليف، وبه ظهر سرّ المجازاة بما لا يوافق من بعض الوجوه- هو أنّ التجلّي الوجودي المقتضي إيجاد العالم- وإن شئت قل: الوجود الفائض من ذات الحقّ على حقائق الممكنات- له الإطلاق التامّ عن سائر القيود الحكميّة والصفات التعيّنية المتكثّرة الإمكانيّة، ومن حيث انطباعه في أعيان الممكنات- أو قل: اقترانه أو انبساطه عليها، وظهوره بحسب مراتبها الذاتيّة واستعداداتها، كما بيّن لك من قبل- أضيفت إليه- أي إلى الوجود المنبسط المذكور- الأوصاف المتعدّدة المختلفة، وتقيّد بالأحكام والأسماء والنعوت تقيّدا غير منفكّ عنه، بحيث استحال تعقّله وإدراكه مجرّدا عنها جميعها، بل قصارى الأمر التجرّد عن أكثرها. وأمّا عن جميعها بالكلّيّة فمحال إلّا بالفرض، وأنهى الأمر الانتهاء إلى قيد واحد إضافي، هذا في أعلى مراتب الإطلاق.
فلا جرم اقتضت الحكمة العادلة وحكم الحضرة الجامعة الكاملة ظهور سرّ المجازاة، ووضعه بسرّ المناسبة والموازنة المحقّقة، فظهر التكليف الإلهي للعباد كلّهم، وكلّ ما سواه عبد، فتعيّنت القيود الأمريّة والأحكام الشرعيّة، في مقابلة ما عرض للوجود من التقيّدات العينيّة وأحكام المراتب الكونيّة الإمكانيّة والعبادات المقرّرة على نمط خاصّ في مقابلة ما يختصّ كلّ موطن وعالم وزمان ونشأة وحال به من الأحكام، وتقتضيه بحيث لا يمكن تعيّن الوجود فيه، ولا ظهور الحقّ وتصرّفه إلّا بحسبه، فتقرّرت العبادات- كما قلنا- في أهل كلّ عالم أيضا ودور ووقت خاصّ وموطن ونشأة وحال ومزاج ومرتبة بحسب ما يقتضيه حكم الحال والزمان وما ذكر، وبحسب الصفات اللازمة لكلّ ذلك أيضا، وثبت ذلك جميعه في الكائنات، كثبوت الحكم المذكور آنفا هناك لا جرم لو انتهى الإنسان- الذي هو الأنموذج لجميع الممكنات والنسخة الجامعة لخصائصها وحقائقها- في أمره وحاله وترقّيه إلى أقصى مراتب الإطلاق، علما وشهودا، وحالا ومقاما، وتجريدا وتوحّدا، فإنّه لا يتّصف بالحرّيّة التامّة الرافعة لجميع الاعتبارات والنسب والإضافات وأحكام القيود أصلا، بل ولو ارتقى ما عسى أن يرتقي بحيث تسقط عنه الأحكام التقييديّة الإمكانيّة والصفاتيّة الأسمائيّة أيضا بعد سقوط التكليفات الأمرية عنه وخروجه عن حصر الأحوال والنشآت والمواطن والمقامات، فلم يحصره عالم ولا حضرة ولا غيرهما ممّا ذكرنا لابد وأن يبقى معه حكم قيد واحد إمكاني في مقابلة القيد الاعتباري الثابت في أنهى مراتب الإطلاق للوجود المطلق.
وهذا القيد الباقي للإنسان هو حظّه المتعيّن من غيب الذات، الذي قلنا غير مرّة: إنّه لا يتعيّن لنفسه من حيث هو إلّا بأمر، ولا يتعيّن فيه لنفسه شيء، فتعيّنه- أي تعيّن الغيب المذكور- هو بحسب ما به ظهر متعيّنا وهو حاله المسمّى فيما بعد بالممكن، فافهم.
وبهذا التعيّن يظهر سرّ ارتباط الحقّ بالإنسان وارتباط الإنسان به، من حيث يدري الإنسان ومن حيث لا يدري. ولما ذكرنا توقّف تعقّل الوجود المطلق على نسبة أو مظهر يفيد التمييز ولو غيبا لا عينا، كتوقّف ظهور العين- التي هي شرط في التعقّل- على الوجود.
وأمّا عدم شعور قوم من أهل الشهود الحالي هذا التمييز فلا ينافي ثبوته في نفسه فإنّ الكمّل والمحقّقين من أهل الصحو- المخلصين من ورطة السكر والمشاهدات المقيّدة عند استقرارهم من وجه في مركز مقام الكمال الإحاطي الجمعي الأحدي الوسطي، المعاينين من أطراف المحيط وأهلها ما خفى عن المنحرفين- يحكمون بما ذكرنا.
ثم نقول: ولكلّ واحد من هذين القيدين: قيد الوجود، وقيد الإنسان حكم نافذ ثابت يعطي آثارا جمّة يعرفها الأكابر، ويشهدونها من أنفسهم ومن سواهم وفي أحوالهم، فيعرفون من الناس- بل ومن الأشياء كلّها- ما لا يعرفه شيء من نفسه، فضلا عن أن يعرفه من سواه.
وأمّا أحكام التكاليف والقيود اللازمة لها فتتفاوت في الخلق بالقلّة والكثرة، والدوام وعدم الدوام، بحسب القيود المضافة إلى الوجود من جهة كلّ فرد من أفراد الخلق. فمن كانت مرآة عينه الثابتة في ضرب المثل أقرب إلى الاعتدال والاستدارة وصحّة الهيئة والشكل، متناسبة الأحوال والصفات، والقوى والأحكام، بحيث لا تظهر في الأمر المنطبع فيها، والظاهر بها حكما مخالفا لما يقتضيه الأمر في نفسه لذاته من حيث هو، كان أقلّ المجالي تكليفا، وأتمّها استحقاقا للمغفرة الكبرى، التي لا يعرفها أكثر المحقّقين، وأقربها نسبة إلى الإطلاق، وأسرعها انسلاخا عن الأحكام الإمكانية والصفات التقييديّة، ما عدا القيد الواحد المنبّه عليه، كنبيّنا محمد صلّى اللّه عليه وآله، ثم الكمّل من عباد اللّه من الأنبياء والأولياء.
ولهذا وغيره قيل له: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ} وأبيح له ولمن شاء اللّه ما حجر على الغير.
وصاحب هذه المرآة التامّة هو العبد المحقّق ذو القدم القديم، والفضيلة الذاتيّة الأزليّة، الذي لم يؤثّر- بنقص القبول- في صورة كلّ ما تجلّى فيه خداجا ولا نقصا وتغيّرا، ولا أكسب الأمر المنطبع فيه وصفا متجدّدا لم يكن ثابتا له أزلا سوى نفس التعيّن بحسب القيد الواحد، الذي لا مندوحة عنه، بخلاف غيره، فهو- أعني هذا العبد- يحاذي ويقابل كلّ شيء بالطهارة الصرفة، ليظهر كلّ من شاء بما هو عليه في نفسه، وكلّ من هذا شأنه فإنّه يحفظ على كلّ شيء صورته الذاتيّة الأصليّة على نحو ما كانت مرتسمة في ذات الحقّ، ومتعيّنة في علمه أزلا ما دام محاذيا له، فإن انحرف عن كمال المسامتة- لاقتضاء حكم حقيقة الانحراف- فلا يلومنّ إلّا نفسه «من وجد خيرا، فليحمد اللّه، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه».
انظر ما الذي أخبرك عليه السّلام عن ربّه أنّه قال لك، وافهم عنه، وقد أخبرتك أنّك من وجه مرآة وجوده، وهو مرآة أحوالك، وقد كرّرت: وربما زعمت أنّي طوّلت، فاذكر فو اللّه لقد أو جزت واختصرت، لو عرفت ما ذكرت لك، لطار قلبك ودهش لبّك، ولكن واللّه ما أراك تفهم مقصودي وأنت معذور، كما أنّي في التلويح بهذا القدر من هذا المقام مجبور ومأمور، وأمّا حكم من نزل عن هذه الدرجة والمقام من الخلق- كائنا من كان- فبحسب قربه وبعده من المقام وزنا بوزن، لا ينخرم ولا يختلّ فإنّ ذلك من سنّة اللّه {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.
فإذا عرفت هذا، فاعلم، أنّ الأحكام التقييدية إن انضافت إلى الوجود من جهة مرتبة موجود مّا من أربعة أوجه مثلا أو خمسة، حتى اقتضى كلّ وجه منها حكما وتعيين وصف وحال خاصّ، لم تكن تنضاف إلى الوجود بدونه فإنّ حكم التكليف يظهر فيه وينفذ من حيث تلك الوجوه الخمسة وبحسبها، وتقلّ الأحكام التكليفيّة وتكثر بحسب الوجوه التي للممكن وما تعطى من الآثار المضافة إلى الوجود. وسبب كثرة الوجوه هو تضاعف أحكام الإمكان، لكن بالنسبة إلى كلّ ممكن كثرت الوسائط بينه وبين موجده لنقص القبول وقصور الاستعداد الذاتي، لا للجمع والاستيعاب فإنّ الإنسان من حيث صورته أكثر الموجودات وسائط من حيث سلسلة الترتيب، وآخرها ظهورا، لكن إنّما كان ذلك ليجمع سرّ كلّ واسطة، ويحيط بحكم ما اشتملت عليه الدائرة، وينختم به من حيث إنّه آخر مستمدّ مع أنّه عن مرتبة يحصل المدد للقلم الأعلى، الذي هو أوّل ممدّ من الوسائط بعد الحقّ، فافهم. وهنا تفصيل يطول ذكره.
ولمّا كانت مراتب الموجودات من الوجه الكلّي تنحصر في خمس مراتب كلّ مرتبة منها تقتضي أحكاما شتّى- كما أسلفنا- لذلك كانت أصول التكاليف خمسة، فالخمسة التي تختصّ بالمكلّف هو: حكم عينه الثابتة من حيث تميّزها في علم الحقّ أزلا، وحكمه من حيث روحانيّته، وحكمه من حيث صوره ونشأته الطبيعيّة وما يختصّ بها، وحكمه من حيث العماء باعتبار سريانه في المراتب المذكورة، والحكم الخامس من حيث معقوليّة الأمر الجامع بين هذه الأربعة باعتبار الهيئة المعنويّة، الحاصلة من الاجتماع المذكور وذلك هو حكم مقام أحديّة الجمع، فافهم.
ويستلزم ما ذكرنا حكم الاسم الدهر والشأن والموطن والمقام والسرّ الجامع بين سائرها، واستلزمت هذه خمسة أخرى، هي الشروط التابعة للخمسة المذكورة، والمنشعبة منها: أحدها سلامة عقل المكلّف، وسنّ التكليف، والاستطاعة من صحّة ونحوها، العلم المتوقّف على بلوغ الدعوة، والدخول تحت حيطة أمر الوقت، الإلهي من حيث تعيّنه كمواقيت الصلوات وصوم رمضان، وأداء الزكاة في رأس الحول، والحجّ في ذي الحجّة ونحو ذلك، فكانت لما ذكرنا أركان الإسلام خمسة، وكذلك الإيمان، وكذا الأحكام الخمسة، والعبادات الكلّيّة.
وحبّة المجازاة وبذرة شجرتها ومنبع أنهارها هو ما سلف في باب الفواتح من أنّ الأعيان الكونيّة لمّا كانت شرطا في تعيّن أحكام الأسماء والصفات وظهور نسبة أكمليّتها في الوجود العيني بنفوذ أحكامها في القوابل، ورجوع تلك الأحكام- بعد الظهور التفصيلي المشهود- إلى الحقّ على مقتضى معلوميّتها ومعقوليّتها باطنا في حضرة الحقّ، اقتضى العدل والجود المحتويان أن عوّضت بالتجلّي الوجودي، فظهرت به أعيانها لها، ونفذ حكم بعضها في البعض بالحقّ، جزاء تامّا وفضلا وعدلا شاملا عامّا، فافهم هذا الأصل الشريف فإنّ جميع أنواع المجازاة الإجماليّة والتفصيليّة متفرّعة عنه وعن الأصل المتقدّم الذي بيّنت أنّه سبب التكليف، وأنّ التكليف مجازاة أوجبها تقيّد الوجود بالأعيان على نحو ما مرّ ذكره، فاذكر، ترشد،- إن شاء اللّه تعالى-